تقرير: الشركات متعددة الجنسيات دعمت انقلاب 1964
العسكري في البرازيل
في عام 1975، أتت شركة «فيات» الإيطالية
للسيارات إلى البرازيل لتشتري مصنعًا مملوكًا لشركة محلية في «ريو دي جانيرو»،
وتبني آخر في مدينة «ميناسجيراس». تمت صفقة شراء المصنع الأول بقرض حكومي مدعوم،
وحصل المصنع الثاني على إعفاء تام من الضرائب لمدة 10 سنوات.
في ظل النظام العسكري الذي حكم البرازيل
لـ 21 عامًا، بعد انقلاب على الرئيس اليساري المنتخب جواوجولارت عام 1964 شارك فيه
بعض رجال الأعمال، والسياسيين، وقيادات الكنيسة، وملَّاك الأراضي ووسائل الإعلام،
تمتعت الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات بمزايا اقتصادية ضخمة، شملت إعفاءات من
الضرائب، وتقديم قروض مدعومة من الحكومة، وتسهيل الاستحواذ على أراضٍ ومصانع
وشركات محلية، من بين الكثير من الأمور التي جعلت البرازيل بين عامي 1964 و1985 –
بتعبير باحثين برازيليين – «جنة للشركات متعددة الجنسيات».
وعلى مدى ثلاثة عقود، ظلَّ أكاديميون
وباحثون برازيليون يرصدون علاقات منفعة متبادلة بين قادة الانقلاب من الجنرالات
والشركات الأجنبية العاملة في البرازيل، التي كان الانضمام إلى مجلس إدارتها أو
هيئة مستشاريها بمثابة «مكافأة نهاية خدمة» لجنرالات الجيش بعد تقاعدهم؛ الأمر
الذي ربط المصالح الاقتصادية المباشرة لهذه الشركات بوجود الجنرالات أنفسهم على
مقاعد الحكم.
لكن لجنة تقصي الحقائق التي شكَّلتها
الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف في عام 2012 شارفت أعمالها على الانتهاء، وكشف
تقريرها المبدئي، الذي اطَّلعت عليه وكالة رويترز، عن علاقات أعمق من المصالح
الاقتصادية ربطت الشركات متعددة الجنسيات والحكم العسكري في البرازيل.
وكشف التقرير تورط شركات سيارات عالمية
كبرى مثل فورد، وتويوتا، ومرسيدس-بنز، وفولكس-فاجن، ضمن شركات أخرى في:
1. تسليم العمّال المعارضين
شهدت فترة الحكم العسكري في البرازيل
نشاطًا ونموًا اقتصاديًا كبيرًا، مع نسبة تضخم مرتفعة، وسخطٍ عام بين العمّال
واليساريين بسبب بيع الشركات والمصانع الحكومية، والسياسات الرأسمالية، وطرد
الكثير من العمّال من وظائفهم (يُقدر عددهم بـ 900 ألف عامل). فلماذا لم تشهد
البلاد إضرابًا واحدًا طوال سبعة أعوام كاملة بين 1971 و1978؟
تميّزت فترة الحكم العسكري في البرازيل
بسياسات قمعية، جُرِّمت فيها الإضرابات، وقُيِّدت حرية الرأي والتعبير بشكل عام.
لكن هذا لم يكن السبب الأوحد؛ فقد كشف التقرير إبلاغ الشركات متعددة الجنسيات عن
القيادات العمّالية والتنظيمية بشكل دوري؛ لمنعهم من إثارة السخط بين العمّال
وتنظيم احتجاجات أو إضرابات، مع فرض السيطرة على النقابات والاتحادات العمالية.
وعمدت شركات محلية ومتعددة الجنسيات إلى
مساعدة الحكومة العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعداد قائمة
بالعمّال «المخرّبين» وتحديد هوّياتهم وأماكن إقامتهم، قبل أول إضراب ضخم عن العمل
نظَّمه حوالي 200 ألف من عمَّال الحديد والصلب في عام 1978.
2. إنشاء لجنة مشتركة مع البوليس السري
الديكتاتورية التي قتلت أكثر من 300 شخص،
واعتقلت عشرات الآلاف – من بينهم رئيسة البرازيل الحالية – لم تكن متسامحة بشأن
إضرابات العمّال وتنظيمهم؛ فأنشأت لجنة سرية تابعة للشرطة، تعاونت مع ممثلي
الشركات في إعداد «قائمة سوداء» للعمَّال «المشاغبين»، وملاحقتهم أمنيًا، والقبض
عليهم لفترات قصيرة، وطردهم من وظائفهم، والتضييق عليهم في فرص الحصول على وظائف
جديدة.
وصاحَبَ اتجاه قمع العمال موجةً من تقليص
الرواتب، وتخفيض العمالة، والتهاون في إجراءات الأمان والسلامة، وعدم الالتفات
لحقوق العمال؛ مما أدى إلى هامش ربحٍ مرتفع للغاية للشركات متعددة الجنسيات، ونمو
الاقتصاد – ظاهريًا – بمعدلات كبيرة.
لكن نمو السخط على النظام القائم، وابتعاد
الميليشيات اليسارية المسلَّحة عن المشهد لتظهر حركة واسعة مطالبة بالديمقراطية،
وإمساك جنرالات أكثر اعتدالًا بمقاليد الأمور، مع فشل تجارب الحكم العسكري في بلاد
أمريكا الجنوبية المجاورة، كل ذلك خفّف قبضة الحكم العسكري شيئًا فشيئًا على
العمَّال منذ منتصف السبعينات حتى سقوطه في عام 1985 بإجراء انتخابات رئاسية،
وإصدار عفو شاملٍ لكل الجرائم السياسية التي ارتُكبت تحت الحكم العسكري.
تقارير بلا محاسبة
وبحسب وكالة رويترز، فإن التقارير الصادرة
عن لجان تقصي الحقائق المختلفة لم تستطع تحريك أي دعاوى قضائية ضد المتهمين في
بلدٍ أحيا الذكرى الخمسين للانقلاب على الديمقراطية فيه هذا العام، وتصف رئيسته
الأعمال التي ارتكبت حينها بـ «الوحشية».
يرجع هذا بشكل أساسي إلى أن جرائم القتل
التي ارتُكبت في البرازيل كانت أقل كثيرًا من جاراتها (الأرجنتين 30 ألف قتيل)،
وإلى إصدار قانون العفو الشامل عن الجرائم السياسية.
ويبدو أن رفع الحجاب عن علاقة الشركات
متعددة الجنسيات مع الديكتاتوريات العسكرية في أمريكا الجنوبية خلال فترة الحرب
الباردة يسير بشكل متتابع في هذه البلاد؛ فثلاثة من موظفي شركة «فورد» يخضعون الآن
إلى المحاكمة في الأرجنتين بتهمة تسليم أسماء، وصور، وعناوين عمَّال في الشركة
للشرطة الأرجنتينية، وتعريضهم إلى الحبس والتعذيب.